يعد الفنان محمد المليحي أحد أبرز مؤسسي مسار الفن التشكيلي المغربي إلى جانب كل من ” فريد بلكاهية،ومحمد شبعة،وأحمدالشرقاوي”، حيث ولد بمدينة أصيلة المغربية في ١٢ نوفمبر عام ١٩٣٦م.
استعان المليحي في لوحاته بذاكرتهُ الطفولية وتأثره الوجداني بالمحيط الذي تطل عليه مدينته، وإيقاع موجاته وحركته في المد والجزر حيث ظهر ذلك في تناسق الألوان وتدرجها، فأصبح اللون عند المليحي بمثابة الضوء القادم من شغف الروح، كان موقع أصيلة على المحيط هو الشُعلة التي فجرت الموهبة الفنية المميزة للمبدع الراحل محمد المليحي.
درس المليحي في العديد من المعاهد الغربية التي مكنتهُ من توسيع آفاقه الفكرية واحتواء الاتجاهات الفنية الغربية، وقرر أن يبدأ مشواره من نقطة اللحظات العسيرة التي مرت منها الحضارة العربية.
عاد المليحي إلي المغرب وعمل بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء إلي جانب فريد بلكاهية، وتم الرهان لأول مرة علي التراث المغربي بوصفه قاطرة صوب حداثة تشكيلية تبدأ من الجذور المغربية، وتلتقي في أبعادها التاريخية والجمالية والفنية مع الحضارة العربية، من خلال نماذج مختلفة من الفن الإسلامي عبر منمنمات وكتابات منقوشة وزخارف بانماط متنوعة، فضلا عن الطراز المعماري لمدينته الذي يعتبر جزءا أصيلا من العمارة الإسلامية.
وفي الوقت الذي لجأ فيه فريد بلكاهية إلى مواد محلية من جبص وحناء وزعفران ونحاس من أجل تجديد لغته الفنية وجعلها أقرب إلى عمل حرفي على مستوى المواد والقوالب، راهن محمد المليحي إلى الخطوط الهندسية المتموّجة المتداخلة، التي تجد زخمها الفكري داخل الحضارة العربية الإسلامية وروحها.
تطرق المليحي نحو أسئلة الهوية والأصالة والمعاصرة حيث لعب دوراً كبيراً داخل جماعة الدار البيضاء، وذلك في حداثة التراث البصري المغربي وجعله مدخلاً لتجاوز الكثير من المفاهيم الفنية التي استنزفت قدرتها علي التأثير، ومن ثم خلق مفاهيم جديدة اثبتت قدرتها في التأثير في الأجيال المختلفة منذ السبعينيات، والتي بلورتها جماعة الدار البيضاء بالتعاون مع المليحي وبلكاهية وغيرهما من المبدعين، عبر الرجوع إلي التراث وجعله الركيزة الأساسية التي يُبني عليها فن تشكيلي يتوهج بقضايا التراث والهوية.
في النصف الثاني من السبعينيات، بلغ نشاط المليحي ذروته. فشارك في تنظيم أحداث فنية وثقافية، وقيادة بعض المعارك، مثل معركة الحياة الكريمة للفنانين، وبفضله أُدخل فن التصوير الفوتوغرافي في مناهج تعليم الفنون التشكيلية، وكان من أكبر إنجازاته تأسيس”موسم أصيلة” بالتعاون مع صديقه محمد بن عيسى.
حيث ولد مهرجان أصيلة الثقافي عام 1977، هذا المهرجان الذي تحوَّل تدريجياً من نشاط ثقافي محلي إلى مهرجان عالمي منفتح على الثقافة الإنسانية والفنون العالمية”.
وفي يوم ٢٨ أكتوبر من عام ٢٠٢٠ فقدت الحركة الفنية أحد الرواد المبدعين للفن البصري المغربي المعاصر عن عمر يناهز ٨٤ عاماً إثر إصابته بكوڤيد ١٩، ورحل عن عالمنا الفنان المبدع محمد المليحي الذي ترك بصمته في الفن حيث كان ولا يزال من أهم الشخصيات التي سيخلدها التاريخ والمؤثرة في الفن التشكيلي المعاصر.
اترك لنا تعليق